الجمعة، 9 نوفمبر 2012

قريه تونس بالفيوم | سويسرا مصر

"تقع قريه تونس الخضراء كما يطلق عليها سكانها على ربوة صخرية عالية ثم تأخذ فى الانحدار فى هدوء عجيب حتى تصل إلى شاطىء بحيرة قارون فلا يفصلها عن المياه سوى مساحات من الخضرة والأشجار لهذا تعد واحدة من أجمل المناطق الريفية فى مصر وبمجرد أن تدخل القرية تندهش من كثرة اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية وكل لافتة تشير إلى فيلا تخص مواطن سويسرى أو إيطالى أو منزل خاص بكاتب أو بيت يخص فنان ما وعند مدخل القرية يقع واحدا من أجمل الفنادق الريفية النادرة الوجود حيث تم بناؤه وتصميمه على الطراز الفلورنسى ويضم من الداخل مساحات شاسعة من الخضرة والمظلات والمقاعد الحجرية والغرف المطلة على البحيرة، والفندق مملوك لشخص يدعى أوليفييه ويقدم خدمات خاصة لهواة السياحة الريفية..



قرية تونس

    وساهمت الطبيعة الساحرة للقرية فى جعلها مركزا لتجمع الفنانين والموسيقيين والأدباء والرسامين من جنسيات مختلفة وبعضهم اهتم ببناء منازلهم على طراز حسن فتحى فى عمارة الفقراء، إلا أن هناك منازل أخرى بناها أصحابها على الطراز الإيطالى والسويسرى حيث نقلوا إلى القرية جانبا كبيرا من معالم الريف الأوروبى، والأجانب فى القرية لا يتملكون البيوت والفيلات التى يسكنون بها وإنما تظل الأرض تابعة لسكان القرية من الناحية الرسمية. 
   لكن مستوى الثراء الهائل الذى تتسم به الفيلات والبيوت الرائعة لم يشمل الفقراء والبسطاء من سكان القرية الأصليين الذين انكمشوا وارتضوا بالتجمع فى الناحية القبلية للقرية تاركين بقية المكان للغرباء والأجانب والمشاهير والأدباء من بقية السكان النازحين إليها حيث يسكن بالقرية نحو 3 آلاف نسمة فقط وغالبيتهم يعملون بالزراعة والصيد والخدمات المعاونة فى المجال السياحى ،وبعضهم تعلم فن الخزف وافتتح ورشة صغيرة بجوار منزله هذا وتضم قرية تونس نحو 300 فيلا.
   أى زائر بالقرية يجب أن يتوجه أولا إلى الست الكبيرة وذلك حسب تعبير أهالى القرية والست الكبيرة هنا هى السيدة إيفلين فنانة الخزف السويسرية  صاحبة الفضل الأكبر فيما وصلت إليه القرية الآن .. حيث قامت إيفلين بإنشاء مدرسة لتدريب أطفال القرية على فنون صناعة الخزف والفخار وأطلقت على المدرسة اسم جمعية "بتاح "والتى اكتسبت شهرة عالمية مع الوقت نتيجة كثرة المعارض التى تم تنظيمها فى العديد من دول العالم وخاصة أوروبا .. 

قرية تونس

    والسيدة إيفلين تقيم فى القرية منذ 45 عاما وهى سيدة سويسرية الأصل وكانت متزوجة بالشاعر سيد حجاب الذى كان مدعوا فى أمسية شعرية بالقرية فاصطحبها معه وعندما رأت هذا الجمال غير العادى الذى تتصف به القرية قررت أن تبقى فى هذا المكان فانفصلا الإثنان عن بعضهما وعاشت إيفلين فى القرية بمفردها بادىء الأمر ثم اصطحبت معها فيما بعد عددا من أصدقائها وبدأت تمارس هوايتها المفضلة فى صناعة الخزف .. حيث تقول إيفلين: لا أحب أن يعاملنى أحد كسائحة أجنبية فأنا عشت عمرى كله هنا فى قرية تونس عندما كانت منطقة مظلمة مخيفة على ضفاف بحيرة قارون، لكن كان عندى حماس أن أوجد عاصمة للفنون والآداب والجمال فى الريف المصرى فاخترت هذه القرية بالمصادفة ونقلت إليها ما تعلمته فى كلية الفنون التطبيقية بسويسرا وبدأت التجربة بفن الخزف وعملت ورشة ثم تحولت الورشة إلى جمعية لتعليم أولاد الريف على هذا الفن، والآن هناك ورش عديدة بالقرية وفى المدرسة يتعلم الأطفال على هذا الفن التراثى الذى لن يمت لأن مصر صاحبة حضارة عظيمة وطويلة جدا وهى أصل كل هذه الفنون وفى كل عام نقوم بتنظيم معارض عالمية فى فرنسا وسويسرا وتحظى بإقبال كبير وإعجاب ممن يقدرون هذا الفن.
     وتضيف إيفلين أن القرية تحولت إلى عاصمة للفنون والجمال لأنها حسب تعبيرها تجمع كل شىء جميل فى مصر، فهناك خضرة وجبل ومياه وناس بسطاء وهذا ما جعل فنانى وأدباء أوروبا يأتون إليها خصيصا ويقيمون بها فترة كل عام من أجل مواصلة إبداعهم مثل الأديب العالمى دينيس مترجم أدب نجيب محفوظ، أيضا هذا المكان يتمتع بهدوء غير طبيعى والناس بسطاء جدا وخارج نطاق الزمن يعنى هم يستيقظون منذ الصباح الباكر ويذهبون لأعمالهم فى الحقول ثم يعودون وقت الظهيرة ثم يذهبون للحقول مرة أخرى بعد العصر ثم يعودون فى المساء ،فأنا أشعر أن الحياة هنا تسير فى غاية النظام والدقة كأننى جالسة فى خلية نحل وطيلة الـ45عاما شعرت طوال الوقت أن المصرى إنسان بسيط ووديع ويستطيع أن يرسم ويبدع بأنامله بمنتهى البساطة.


    ولم تحصل إيفلين حتى الآن على الجنسية المصرية لكن ابنتها تزوجت بمصرى فأصبحت مصرية وقامت بكتابة عقد منزلها فى القرية على اسم ابنتها إلا أنها كما ذكرت لنا تشعر بأنها مصرية وأن تجربتها فى قرية تونس يشهد بها الاتحاد الأوروبى الذى أوفد لجنة لدراسة جوانب الجمال فى القرية ،وأنها ساهمت فى الترويج السياحى للقرية من خلال المعارض الكثيرة التى قامت بتنظيمها فى دول أوروبا العديدة ،وتشتكى إيفلين من عدم اهتمام السفراء والقناصل المصريين بهذه التجربة حيث قامت بتنظيم عدة معارض عالمية حضرها سفراء جميع الدول باستثناء السفراء المصريين الذين لا يقدرون الفنون التراثية ،وعبرت إيفلين عن استعدادها للتعاون من أجل جلب المزيد من النجاح للقرية.  
   وكان من أشهر من سكن بالقرية من الأجانب هو الأديب والمترجم العالمى دينيس جونسون ديفيز وهو أول من قام بترجمة روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ إلى الإنجليزية وكان واحدا من طلاب الدكتور طه حسين بكلية الآداب ،والطريف أن الخواجة دينيس أشهر إسلامه فى القرية وأطلق على نفسه اسم عبد الودود .. كان دينيس يسمع آذان الفجر يوميا فيرى البسطاء يهرعون من نومهم إلى الصلاة وحسب أهالى القرية أنه كان يصلى معهم ويشعر بسعادة بالغة عند قراءة القرآن ولايزال هذا الكاتب على قيد الحياة لكنه يحضر إلى القرية فى فصل الشتاء فقط.
   وتضم قرية تونس أيضا أول متحف للكاريكاتير فى الشرق الأوسط أنشأه الفنان محمد عبلة ليكون قبلة للفنانين من كل مكان فى العالم .. المتحف يضم مجموعة نادرة من الرسوم الكاريكاتورية لصلاح جاهين ورخا وصاروخان وحجازى وغيرهم ..يقول محمد عبلة : تونس هى واحة الفن والفنانين وكثير من الأدباء والموسيقيين والفنانين جاءوا إليها وأقاموا بها لأنها أرض الوحى والإلهام لأن القرية موجودة على ربوة عالية أمام بحيرة قارون وبفضل الخضرة فقد منحتها كل هذه الصفات مؤهلات لتكون من ضمن أجمل المناطق الريفية فى مصر وأنا شخصيا انضممت لقائمة مبدعى تونس منذ نحو 20 عاما وأنشأت مركز الفيوم للفنون بالقرية منذ عدة سنوات و كان حلمى ولا يزال أن يكون واحة للابداع يلتقى فيه المبدعون من كل العالم يلتقون على الفن وعلى التسامح والحوار وكنت أحلم ومازلت أن يكون بيتا للفنانين فيه يتقابلون ويرسمون ويتناقشون .. وننظم سنويا ورش عمل للتدريب على فن الكاريكاتير ويفد إلينا فنانون من كل مكان.
ويقيم بالقرية أيضا عدد آخر من الفنانين نبيل تاج رسام الكاريكاتير المعروف والصاوى الفنان الموسيقى وعدد من أساتذة الجامعة الأمريكية وفنان يدعى خافيير بوجاماتى وعدد من الأجانب الذين يعشقون الريف المصرى وقد فضلوا الإقامة فى المكان بعيدا عن الازدحام. 

أما عن أهالى القرية البسطاء فغالبيتهم يعملون فى الزراعة والصيد ورعى الحيوانات لكن السياحة الريفية بالقرية فتحت أمامهم أبوابا أخرى للرزق حيث يقول كريم السيد من سكان القرية: عدد من أهالى القرية يعملون فى صناعة الخزف وعدد آخر يمارسون عملهم اليومى فى الزراعة والفلاحة، لكن هناك مهنا أخرى ظهرت كنتيجة طبيعية للنشاط السياحى فى القرية مثل أعمال اللاندسكيب والحراسة والعمل داخل الفنادق والمطاعم السياحية فى القرية وهذه أتاحت فرص عمل للشباب.  "


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق